الجودة في الإسلام
الجودة في الإسلام
الجودة هي أحد مبادئ الإسلام التي دعا إليها القرآن الكريم ولكن بلفظ يماثل الجودة في قول الله تعالى: "صنع الله الذي أتقن كل شيء" (النمل، أية: 88)، أي ذلك صنع الله البديع الذي أحكم كل شيء خلقه وأودع فيه من الحكمة ما أودع (صفوة التفاسير، ج2: 421)، وجاء في القرآن وصف الله عز وجل "الذي أحسن كل شيء خلقه" (السجدة، أية: 7) ، وهذا دليل على وجود علم وحكمة وإتقان صنع.
كما يدعو الإسلام أيضا إلى التأكد من جودة العمل الذي يقوم به الإنسان وخلوه من النقص والعيوب، فقد حث الرسول صلى الله عليه وسلم على إتقان العمل فقال: "إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه"، والإتقان هنا يستدعي من المرء أن يؤدي عمله على أكمل وجه، وأن يسعى للوصول به إلى مرحلة الكمال الإنساني، بحيث يقوم بالعمل بكل تفاصيله دون تقصير أو تفريط أو غش أو خداع وهذا يستدعي الإخلاص الكامل في العمل (باشيوة، 2006: 11).
وأساس الإتقان في الأعمال في الإسلام هو توفر المعرفة أولا والدليل على ذلك قول الله تعالى: "ولا تقف ما ليس لك به علم" (الإسراء، أية: 36)، والمعرفة بدون عمل لا تسوى شيء وقد أكد الله تعالى ذلك بقوله: "وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله" (التوبة، الآية: 105)، ولهذا على أي إنسان أن يتذكر أن فوق رقابة البشر هناك رقابة من الله تعالى وهي أعلى درجات المسائلة الفردية والجماعية لقوله تعالى: "وقفوهم إنهم مسؤولون" (الصافات، الآية: 24).
كما دلت الكثير من الآيات الكريمة والأحاديث النبوية الشريفة، والتطبيق العملي للإدارة الإسلامية، أنها طبقت العديد من المبادئ الأساسية لحركة إدارة الجودة الشاملة، وقد كان اهتمام الإسلام بالجودة من خلال ترسيخ المبادئ التالية (الدرادكه، 2006: 34-35):
·مبدأ الشورى: دعا الإسلام إلى الالتزام بمبدأ الشورى من خلال التشاور مع الأفراد في اتخاذ القرارات وحل المشكلات، ويظهر هذا من خلاله قوله تعالى: " وشاورهم في الأمر " (أل عمران، الآية: 159)، فالمشورة هنا تؤدي إلى عمل متقن وذو جودة.
·مبدأ التعاون: فقد أكد الإسلام على ضرورة التعاون في سبيل الخير ويظهر هذا من خلال قوله تعالى: " وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان " (المائدة، أية: 2)، فالعمل الجماعي بروح الفريق هو من المتطلبات الأساسية لإدارة الجودة الشاملة.
·مبدأ إتقان العمل والإخلاص فيه: فقد حث الإسلام على إتقان العمل وضرورة تحقيق الجودة فيه وخلوه من العيوب والسعي للتحسين الدائم، وضرورة أن يحب العامل عمله ويخلص فيه كامل الإخلاص ويظهر هذا من خلال قوله تعالى: "إنا لا نضيع أجر من أحسن عملا" (الكهف، أية: 30)، وقوله تعالى: "ولتسئلن عما كنتم تعملون" (النحل، أية: 92).
·مبدأ الرقابة الإسلامية: سواء كانت خارجية أو ذاتية تؤدي إلى التأكد من تنفيذ الأهداف والمعايير الموضوعة وفقا للمعايير والمقاييس والضوابط الشرعية الإسلامية، كما أن الرقابة الذاتية لدى المسلم بكامل المسؤولية تجاه أعماله في الدنيا والآخرة، ويظهر هذا من خلال قوله تعالى: "كل نفس بما كسبت رهينة" (المدثر، أية: 38).
ويضيف مجيد وزيادات مبادئ أخرى في الجودة في الإسلام (مجيد وزيادات، 2008: 19):
·مبدأ العلم: منذ أن نزل القرآن الكريم بآياته على المسلمين وهو يؤكد على ضرورة العلم وأهميته في حياة المسلمين، يقول تعالى "يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات" (المجادلة، أية 11)، وشيوع أهمية العلم وضرورته في حياة الأفراد هو أحد متطلبات تحقيق الجودة الشاملة.
·مبدأ الحكمة: وهي العلم بحقائق الأشياء على ما هي عليه، والعمل بمقتضاها كما في قوله تعالى " يؤتي الحكمة من يشاء ومن يؤت الحكمة فقد أوتي خيرا كثيرا " (البقرة، أية 269)، والحكمة درجة أعلى من العلم فهي تتضمن معرفة الحق والعمل به، والإصابة في القول والعمل، ومفهوم الحكمة الإسلامي يضفي دلالات كثيرة على مفهوم الجودة الشاملة الإسلامي ويثريه ويغنيه ويقويه.
مما سبق نستدل من خلال الآيات الكريمة والأحاديث النبوية الشريفة على تركيز الإدارة الإسلامية على ترسيخ الجودة في الأعمال والخدمات المختلفة، كما أن الرقابة كانت تتم في ضوء معايير ومقاييس معينة مستمدة من القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة.
كما تؤكد الباحثة أن الإسلام كان الرائد الأول والأعظم في وضع وبناء الأسس الصحيحة والسليمة التي تعمل على بناء مجتمع قوي، كما أن الإسلام مثل ثقافة ومفاهيم إدارة الجودة في شؤون الحياة اليومية من خلال المسؤولية والمسائلة والمحاسبة ودرجة أداء العمل وإتقانه، قبل أن تنطلق شعارات الجودة في العصر الحالي وهذا دليل على أن المنهج الإسلامي جاء كاملا شاملا لكافة مجالات العمل دون تخصيص أو تحديد، ولكن لم تتبلور مفاهيم الجودة في الإسلام على أيدي الباحثين الإسلاميين على شكل مفهوم متكامل على النحو الذي برز فيه الغرب.
منقول