كيف تلقي محاضرة ناحجة

كيف تلقي محاضرة ناحجة
==========
قد لا يحترف معظمنا إلقاء المحاضرات أو الخطب على أسماع الجماهير، فلا نكترث بهذا الأمر عادة.. إلا أنه من النادر ألا يصادف أحدنا مناسبة ما تدفع به إلى ذلك، كاحتفالات الزفاف والتخرج، أو اجتماعات العمل، أو حتى التجمعات الطارئة مع الزملاء والجيران، ولعل في جعبة كثير منا بعضَ الذكريات المثيرة التي صادف فيها تعرضه لمثل هذه المواقف المحرجة.

هناك من يمتلك مهارة التحدث إلى الجموع بالفطرة، وهناك من سنحت له الفرصة منذ نعومة أظفاره للتدرب عليها حتى صارت مألوفة لديه, بَيْد أن كثيراً من الناس لا يمكن عدّهم ضمن أيٍّ من هذين الصنفين..
أضف إلى ذلك، أن بعض الأشخاص لا يجدون صعوبة في التحدث إلى أصحابهم وزملائهم، ويعتقدون أن الحديث إلى الجموع الكبيرة سيكون مماثلاً، إلا أن ثمة فارقاً كبيراً بينهما، فبناء الألفة مع تجمعات لأشخاص لا نعرفهم يحتاج إلى مهارة خاصة، كما تشير دراسات جيمس جير إلى أن "إدراك التحكم وليس التحكم نفسه هو الأكثر أهمية"، أي أن اعتيادنا على أمر ما، وهو هنا التحدث إلى بعض الناس دون إدراك لاكتسابنا هذه المهارة وما تحتاج إليه من ردود أفعال طارئة في بعض الظروف، فإن هذا الاعتياد ليس كافياً، إذ لا يمنع ذلك تعرضَنا لمواقف طارئة نعجز عن التعامل معها مادام تصرفنا قائماً على العادة دون إدراك دقائق هذه المهارة.
من أجل هذا كله، فإن من الضروري لكل شخص يسعى إلى النجاح -أياً كان اختصاصه- أن يمتلك المقومات الأساسية لاكتساب هذه المهارة، وأن يكون على استعداد دائم لتنشيطها واستثمارها تحسباً للحاجة إليها في أي وقت.
سنلخص في هذا المقال أهم البنود التي يمكن الإفادة منها لاكتساب مهارة الإلقاء الجماهيري الناجح، ونعتقد أنه من المفيد لكل قارئ أن يراجعها بعناية لضمان تأكده من استحضارها كلما دعت الحاجة إليها.
=================
ولاً: التحضير قبل المحاضرة
في حال إعداد المحاضرة السابق وعدم كونها طارئة، ننصحك بما يلي:
1. حضِّر الموضوع جيداً، واحرص على أن تكون ملماً بكل جوانبه تجنباً للإحراج في حال تعرضك للأسئلة من قبل الحضور.
2. تذكر أن بناء الألفة مع الحضور هو سرّ نجاحك، وهذا يستلزم التقارب في الأفكار المطروحة مع ثقافتهم وأعمارهم واهتماماتهم.
3. تدرب على الإلقاء في مكان مغلق لا يراك فيه أحد، حيث يمكنك تمثيل دورك سابقاً، على أن تقوم بإلقاء المحاضرة كاملة، وحاول أن تتخيل وجود الحضور وهم يطرحون عليك الأسئلة مع قيامك بالرد عليها.
4. حاول التدرب مع مجموعة من أصدقائك على أن يؤدوا دور الحضور، واحرص على النظر إلى عيونهم جيداً، وتخيل الموقف الحقيقي قدر استطاعتك.
5. يمكنك تعليق صورة جمهور ينظر إليك على الحائط أثناء التدريب، مع الإمعان في النظر إليها لكسر حاجز الخوف.
6. تذكر أثناء التدريب أن إدراك التحكم وليس التحكم نفسه هو أكثر أهمية، أي أن كسر حاجز الخوف لا يكون بالسيطرة المجردة على الذات، بل بإدراكك لهذه السيطرة وبشعورك الواضح بثقتك بنفسك.
=====================
انياً: قبل بدء المحاضرة
1. حاول الحضور باكراً إلى قاعة المحاضرات والجلوس على المنصة، ثم انظر في عيون الحاضرين وهم يدخلون إلى القاعة ويملؤون المدرجات، لتتمكن من تحقيق الألفة مع المكان والحضور قبل البدء.
2. استعن بالأدوات المساعدة للإيضاح كالبوسترات وأجهزة الإسقاط وغيرها، فقد تساعدك على لفت الانتباه إليها إذا شعرت بالقلق في البداية.
3. تذكر أن القلق لا يكون إلا في الدقائق الأولى، ولا تشغل بالك قبل الظهور أمام الناس بالفشل لأنه مهما بلغ خوفك فلن يكون بالسوء الذي تتوقعه.
4. خذ وقتاً كافياً قبل البدء بالكلام للتأمل في عيون الحاضرين والنظر إليهم جميعاً بثقة ورباطة جأش، ويمكن أن يتم هذا أثناء قيام أحدهم بتقديمك للحضور أو أثناء انتظارك متحدثاً آخر يسبقك في الحديث.
================
ثالثاً: أثناء المحاضرة
1. ابدأ بهدوء تام، فالسرعة تعطي انطباعاً بأنك ترغب في قول كل ما لديك على عجل والهروب.
2. التواصل البصري مهم جداً، فيجب أن يكون جميع الحضور ضمن مجال بصرك, واحرص على أن تنظر إلى جميع الحضور بالتساوي، دون تركيز على جهة ما، أو شخص ما، لأكثر من خمس دقائق.
3. في حال انزعاجك من نظر الناس إليك فلا تنظر إلى عيونهم مباشرة، بل انظر إلى مستوىً أعلى بقليل من رؤوسهم، فهذا يضمن استمرار تواصلك البصري معهم.
4. إذا وجدت أن قلبك يدق بسرعة ويديك ترتجفان فلا تكترث، وأقنع نفسك بأن الحضور لن يلاحظوا ذلك وإلا زاد خوفك، بل ركز على موضوعك الذي تتحدث فيه.
5. إن كنت خفيف الدم فلا بأس بنكتة سريعة في البداية لتزيل التوتر عن نفسك، ولكن قلها بثقة وهدوء، ولا تنسَ أنْ تضحك ضحكة خفيفة بعد إلقائها، وإلا فيمكنك لفت الأنظار عن توترك بعبارات من قبيل: (الجو حار قليلاً، أليس كذلك؟ ما رأيكم لو فتحنا النوافذ؟) أو (أعتذر عن التأخر فقد كنت أحضر نفسي للمحاضرة..)، ولا بأس ببعض الدعابة من قبيل: (أعدكم بأن تكون محاضرة ممتعة بشرط ألا تناموا)! أو (لن أعرفكم بنفسي لأني مشهور بما فيه الكفاية)!، ولا تنسَ الابتسامة.
6. بعد حصولك على بعض التجاوب من الحضور، عرف بنفسك وبموضوع الدرس، وغير ذلك من المقدمات، وسيزول القلق على الفور, وإذا لم تحاول التخفيف عن نفسك بهذه الطريقة فالزم الهدوء وتحدث ببطء، واحرص على أن تعطي الموضوع حقّه من الشرح، وسرعان ما ستجد نفسك مندمجاً مع الحضور ومتجاوزاً كلَّ مخاوفك.
7. كإجراء احتياطي -وللتخلص من القلق الزائد- يمكنك أن تمسك شيئاً في يدك (قلماً، مسبحة، عصا للشرح... إلخ) مع العبث به أثناء الكلام بشرط ألا يلفت الانتباه.
8. احذر الظهور بمظهر غير لائق، أبْقِ ظهرك منتصباً ورأسك مرفوعاً، لا تضع يديك في جيبك، وتجنب الحركة الزائدة.
9. في حال ورود أسئلة من الحضور، فعليك التحضير للموضوع جيداً، اطلب إلى الجميع تأجيل أسئلتهم حتى النهاية، واحرص على أن يكون طرحها على نحوٍ منظم, استمع للسؤال جيداً، ودوّن ما تسمعه على ورقة, خذ وقتاً كافياً للتفكير ولا تخشَ انتظار السائل أو مرور الوقت, وإذا كان السؤال محرجاً أو لم تجد له إجابة فإما أن يكون جوابك دبلوماسياً دون الوقوع في الخطأ، وإما أن تجيب بكل ثقة: أن هذا ليس من اختصاصك أو أن تَعِد السائل بالنظر في الأمر, كن معتدلاً في إجاباتك، واحذر الظهورَ بمظهر المدعي أو بمظهر الجاهل.

أخيراً، تذكر أن المحاولة الأولى هي أكثر صعوبة، فمهما كان أداؤك سيئاً فإن المحاولات القادمة ستكون أفضل دائماً، ومع الممارسة سيصبح الأمر عادة، فالكثير من مشاهير المتحدثين لم يكونوا ناجحين في البداية، ولكن التجربة والاستمرار في المحاولة هي التي صقلت مواهبهم.