من هو الصديق الذي أحب لكي اتخذه صديقا ؟ كنت
دائما أتردد في الإجابة وأحياناً أتهرب من السؤال بطريقة لبقة , لأترك
السؤال يطير في ضباب الفضاء بعيداً بعيداً إلى أن يختفي في أديم السماء ،
فتظل الحيرة مرتسمة على الشفاه ليعاد طرحه علي مرة أخرى وفي أوقات آخرى .
كنت
أعتقد أنَّ الإجابة عن مثل هذا السؤال ليس بالشيء السهل وقد لا يؤدي إلى
الجواب الدقيق ، فيسيء الناس فهمي من حيث لا أدري ، ومع ذلك فلم أستطع أن
أنجو من الإجابة عندما قابلني أعز الأصدقاء وسألني نفس السؤال فقلت له :
الصداقة يا عزيزي ..
وما
أدراك ما هي ، فهي بالنسبة لي شئ مقدس غال وثمين ... أحافظ عليها محافظتي
على نفسي وروحي .. وللصداقة عندي معنى خاص ونكهه مميزة ، حتى إذا ما
استوثقـت عُراها وتوطدت اودعتها في زاوية معينة من زوايا القلب ، تتوهج
بنبضه وتتحصن بدفئه على مر الأيام والسنين فتحميها من غائلة الفتور والعبث .
والصداقة
عندي
هي المرفأ الذي أرسو عنده بعد رحلة متعبة شاقة لأجد الراحة والأمان
والسلام ، إنها الربيع الذي يمنحني النبض والحنان فيجعل الحياة في نظري
حلوة مليئة بالحب والطموح والتجديد . إنها البحر الواسع الذي إذا ما التجأت
إليه في يوم صيف قائظ فتح صدره وذراعية إلي لأغيب في أحاضنة فيغسل نفسي من
الشوائب وفكري من الهموم والمشاكل ، إنها الشجرة الظلول التي إذا ما
افتقدتها وقت الظهيرة أعرف أنها ما زالت هناك منتصبة بفروعها الوارفة أهرع
إليها ، أتفيأ ظلالها لتحميني من ضربات الشمس وجفاف الحياة .
والصديق
يا
عزيزي الذي أحب هو الصديق الذي أشعر بمعرفته أنه جزء من نفسي ، فأرتاح
بلقائه وأبهج روحي بخفة دمه وحلاوة روحه .. وهو الذي يتقبلني بحسناتي
وسيئاتي يفرح لنجاحي و يغضب لإخفاقي و فشلي ، يفتقدني إذا غبت عنه ..
كما أحبه أن يكون إنساناًً متواضعاً معي ومع كل الناس وأن يشاركني حتى في لقمة عيشي وسط أهلي دون أي تكليف أو تعنت ..
وأحب من صديقي أن يشاركني بعض هواياتي كأن نمشي سويا أو نلعب سوياً أو نتسوق معاًَ وأن نتكلم في وقت الصمت ..
وأحب
منه أيضاً أنسانا متسامحاً يغفر لي زلاتي ويتجاوز عن هفواتي ويبدي اعتذار
إذا أساء في حقي دون أن ادري .. فالإنسان يظل معرضاً للخطأ بقصد أو بدون
قصد ..
ولكن كلمة (أسف) تمسح كل الزلات لأنها تهز المشاعر وتمحي كل ما قبلها لنبدأ صفحة جديدة حلوة ..
وأحب
في صديقي أن يعاملني على طبيعته دون أن يعاملني معاملة الند ، زيارة
بزيارة ، تلفون بتلفون ، عزومة بعزومة وكأننا الغرباء لا أصدقاء .. فلا
أجمل من العفوية في التصرف وخاصة مع الأحباب والأصدقاء .
علي أن أذكر أن ما أتوقعه من صديقي هو ما أتوقعه من نفسي ، وما أحب أن يكون عليه هو ما أحب لنفسي أن تكون عليه ، وبالختام أقول :
الصداقة نعمة تستوجب الشكر والحمد .. وما أحلاها عندما يكون عنوانها
التصافح والثناء .. وما أجملها عندما يكون عنوانها التسامح والمغفرة هنية
رضية تجري كجريان المياه دون عوائق أو حواجز أو سدود أو إقامة حدود .. )